إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
مجموعة محاضرات ودروس عن رمضان
14104 مشاهدة
هدي السلف في قراءة القرآن

وكذلك أيضا هديهم في رمضان أنهم يكثرون قراءة القرآن الذي له خصوصية برمضان، رمضان له خصوصية بالقرآن لقول الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فإذا كان له خصوصية فإن علينا أن نوليه اهتمامنا، لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يأتيه جبريل في ليالي رمضان فيدارسه القرآن -أي: يعرضه عليه- وكل سنة يعرضه عليه مرة، وفي السنة التي مات فيها صلى الله عليه وسلم عرض عليه القرآن مرتين، وكان يدارسه ليلا، أخذوا من ذلك أهمية دراسة القرآن.
وكان السلف -رحمهم الله- يهتمون في رمضان بالقرآن؛ فكانوا إذا دخل رمضان تركوا الحديث وأقبلوا على قراءة القرآن.
ذُكر ذلك عن الإمام مالك -رحمه- الله أنه كان يفر من التحديث ومن مجالس الحديث ويقبل على قراءة القرآن. وكذلك الإمام الشافعي رحمه الله، وكذلك غيرهم من الأئمة، حتى يجتهدوا في قراءة القرآن أكثر مما يجتهدون في غير رمضان.
ذكر ابن رجب -رحمه- الله أن للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، أو زيادة على ما يقرأ في الصلاة، فمعنى ذلك: أنه يختم في الليل مرة وفي النهار مرة، في كل ليلة يختم، وفي كل نهار يختم، حتى يختم الستين ختمة، قال: وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك.
وكان كثير منهم يختمون القرآن في كل ثلاث ليال، فإذا دخل رمضان ختموه في العشرين الأولي في كل يومين، فإذا كان في العشر الأواخر ختموه في كل يوم مرة، ولكن لا تعجب من ذلك؛ فإن الله تعالى قد سهل القرآن على ألسنتهم، أشرب القرآن في قلوبهم، أشربت قلوبهم محبة القرآن وذلت به، فكانوا يقرءونه ولا يتلعثم أحدهم في قراءته، ولا يخطئ في حرف منه، ويلهمونه كما يلهمون النفس، قد حفظوه واستظهروا كلماته، ولا يصعب عليهم أن يقرءوه في ليلة أو في نهار.
وقد فعل ذلك الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فإنه طوال السنة يختم في كل ليلة، كل ليلة يختم طوال السنة بركعة واحدة في صلاة قيام الليل، في صلاة تهجده لا يصلي إلا ركعة واحدة؛ ولكنه يختم فيها القرآن، يقول بعض تلامذته: إنني راقبته قائما، فلاحظت أنه يقرأ قراءة طويلة ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة ثم يسجد، فعرفت أن هذه سجدات التلاوة، أنه إنما ينزل في الأرض لسجود التلاوة وحتى يختم القرآن.
وقد ختم القرآن في ركعة عدد كثير من السلف رحمهم الله؛ يعني أنه يستفتح بأول الليل ويختم بآخر الليل في ركعة واحدة.
هذا حالتهم في اهتمامهم بكلام الله سبحانه وتعالى، زيادة على أنهم يتدبرونه ويتعقلونه، لا يقرءونه هَزًّا من غير أن يعقلوا معناه، قد عرفوا أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرتل القرآن وكان يمده، كما ذكرت عائشة أنه كانت قراءته مدا.
وكذلك روى ذلك أنس -رضي الله عنه- تقول عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها.
وسئل أنس عن قراءته -صلى الله عليه وسلم- فقال: كانت مدا. ثم قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ومد ببسم الله، وأمد بالرحمن، وأمد بالرحيم، كل ذلك دليل على أنهم مع ذلك يسهل عليهم قراءة القرآن، وكثرة الأعمال الصالحة، ولا تردهم القراءة عن الصلوات ولا عن التطوعات وما أشبهها، وهكذا كان هديهم رحمهم الله تعالى في محبتهم لكلام الله عز وجل.